Wednesday, January 14, 2009

غزّة واوا ... بوبّو واوا ... دج دج


كلمات خرجت من فم إبنتي التي لم يتجاوز عمرها السنتين نتيجة لما تراه وتسمعه منا ومن التلفاز وبكاء جدّاتها وأمّها وخالاتها وعمّتها على ما يحصل في غزة. لم أتمالك نفسي لمّا سمعتها أوّل مرّة فبكيت بصمت العاجز، بكيت بصمت الضمير، بكيت بصمت الكلمات، بكيت بصمت الآهات والأنّات، بكيت بصمت الخرسان والعميان والطرشان وتابعت حياتي كبقية الحملان.


هل أستطيع أن أبقى صامتا، حاولت واللّه حاولت، لقد رأيت والحمد للّه الكثير من المجازر ولم أكن أتكلّم إلاّ بضع كلمات من باب رفع العتب وقد أكون أيضا متأثّرا بما يحدث ولكن أضع رأسي بين الرؤوس، ولكن بعد أن رأيت ما يكفي من الآلام والضحايا والأطفال بدأت عضلة ما بالنبض، لم أكن أعلم بوجودها حتّى فلقد كان عندي ما هو أهم، وهو عملي وعائلتي وبيتي وزوجتي فلم أجد وقتا للإصغاء لتلك العضلة حتّى لم تعد تنبض.


ومع تأثّري بالأحداث أصبحت أتابع الأخبار بل وأسهر عليها وأنتقل من محطّة إلى أخرى لأسمع عن غزّة وعن ما يقوله هذا أو ذاك، والردود والمظاهرات والتحليلات السّياسيّة والأغاني الوطنية الحديثة والحلم العربي الذي زال والحلم الإنساني الذي بدأ بالزوال مع هذه الجرائم الوحشيّة.


وفي أثناء متابعتي للأحداث تكون إبنتي موجودة أحيانا فتأتي بالتلفاز صور بعض الأطفال والدماء تغطيهم وأهلهم يبكون عليهم، وعادة إذا كانت موجودة أقوم بتغيير المحطة، ولكن في مرة من المرّات تأخّرت في التغيير من صدمة ما رأيت، فرأت إبنتي ما لم أرد لها أن تراه، فبكت وركضت عليّ قائلة "بوبّو واوا ... أم أم"، وتعني أن الطفل مصاب وعليه دم، فلم أستطع أن أقول لها شيئا سوى "نعم يا بابا، ضربوه ديدي" فقالت ببراءة "ديدي ديدي ... أم أم"، وهنا إنفجرت هي بالبكاء وقمت أحضنها وأقول لها "لا تخافي يا بابا أنا بحبّك، وإزا بقرّب عليكي حدا لأكسّر راسه".


ومع تطوّر الأحداث، وبما أنّ العدوان إستمرّ ومستمر، أصبحت إبنتي تسمع من هذا وتلك عن غزة وما يحصل فيها، حتّى رأت أمّي في يوم من الأيّام تبكي على ما يحصل فقالت "أزّة واوا ... بوبّو واوا ... دج دج"، هذه الطفلة أحسّت ونحن معدومي الإحساس لنا أجنداتنا وأهدافنا الخاصّة التّي تخدم مصالحنا الشّخصيّة، ونسينا في دولاب الحياة أنّ "كل نفس ذائقة الموت وإنما نوفّيكم أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"، ولكنّ اللّه من رحمته فينا يذكّرنا بذلك كل فترة وأخرى، وبما أنّنا غائبين في الدنيا ومغيّبين في متطلّبات الحياة والعمل والبيت والأطفال فلا تنفع معنا تربيتة خفيفة على الظهر ولكن لا بد من ضربة قويّة على الرأس حتى نستيقظ من غفوتنا ولهونا، فالحمد للّه على ذلك.


وأخيرا أقول يا عربي، يا مسلم، يا مسيحي، يا قبطي، يا يهودي، يا بوذي، يا أحزاب، يا شيوعي، يا إخوان، يا ديموقراطي، يا ليبرالي، يا سلفي، يا رجعي، يا براجماتي، يا جمهوري، يا ملكي، يا شعوب، يا بطّيخ، يا العفاريت الزرق، يا بشر، يا بني آدميين، يا تراب، غزة تنادي "وا..طفلاه" وأنا أقول "هذه الواوا اللّي لو إنباست ما بتصير بح".


وتكفي هذه الصور، وللمزيد إفتح التلفاز.